كتب أسامة أبوزيد أن السودان يعيش أطول حروبه وأكثرها تدميرًا، بينما تتشكّل مبادرة دبلوماسية جديدة تقودها "الرباعية" – الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات – لتقديم خريطة طريق لإنهاء الصراع، لكن التساؤل الجوهري هو: هل يمكن لهذا التحرك أن يحقق سلامًا حقيقيًا في بلد ممزّق؟

 

ذكرت ميدل إيست آي أن هذه المبادرة تمثل ارتفاعًا ملحوظًا في مستوى انخراط واشنطن في الملف السوداني، مدفوعة بضغط حلفائها الخليجيين ورغبة أمريكية في تحقيق إنجاز دبلوماسي سريع. وتنص الخطة على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر لإيصال المساعدات، يليها وقف إطلاق نار دائم، ثم مرحلة انتقالية مدتها تسعة أشهر لتأسيس حكومة مدنية مستقلة تتمتع بالشرعية والمساءلة.

 

جاء الإعلان بعد أن استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم في مارس، وهو ما منح القاهرة والرياض أملاً في إمكان تثبيت الهدنة. ومع ذلك، تعاني الرباعية من مفارقة جوهرية: فمصر تدعم الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، بينما تتهم الإمارات بدعم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في حين تحاول السعودية البقاء على الحياد، لكنها تميل تدريجيًا إلى الجيش بوصفه المؤسسة الشرعية الوحيدة الباقية في الدولة.

 

هذه الانقسامات تجعل التزام الرباعية بالحياد موضع شك، وتثير مخاوف من أن تتحول الخطة إلى تسوية شكلية تكرّس تقاسم السلطة والثروة، بدل معالجة جذور الأزمة السياسية. فبينما يصدر الدبلوماسيون بيانات عن “التحرك نحو السلام”، تتواصل المعارك في الميدان، خصوصًا في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، التي حاصرها الدعم السريع بمتاريس ترابية ضخمة وصفها باحثون بأنها “صندوق قتل” يهدد حياة أكثر من 260 ألف مدني بينهم 130 ألف طفل.

 

ورغم قبول البرهان بالخطة بشروط بعد رفضها أولًا، تستمر المعارك بين الجانبين اللذين يعتقد كل منهما أنه قادر على تحقيق نصر عسكري. الجيش استعاد مؤخرًا بعض مناطق كردفان، فيما يحكم الدعم السريع قبضته على معظم دارفور، ويعلن تشكيل حكومة موازية هناك عبر تحالف "تاسيس"، ما دفع مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى إدانة هذه الخطوة ورفض الاعتراف بها.

 

في المقابل، عيّن الجيش رئيس وزراء جديدًا في بورتسودان، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لترسيخ شرعية سياسية واقتصادية مضادة، بينما يتنافس الطرفان على السيطرة على الموارد وجباية الضرائب. هذا الانقسام الإداري يجعل أي توحيد لاحق للدولة أكثر تعقيدًا.

 

تواجه المبادرة أيضًا انتقادات حادة بسبب تهميشها الفاعلين المحليين والإقليميين. فقد جرى استبعاد الاتحاد الإفريقي ومنظمة "إيغاد" – الجهة التقليدية المكلفة بوساطات شرق إفريقيا – من الاجتماعات التمهيدية التي تأجلت مرارًا بسبب خلافات بين القاهرة وأبوظبي. ويرى محللون أن أي عملية سلام تُدار دون وساطة إفريقية حقيقية ودون مشاركة المدنيين والقوى السياسية والمجتمع المدني ستفشل كما فشلت المبادرات السابقة.

 

يسمّي بعض المراقبين خطة الرباعية “سلام التقويم” لأنها تحدد مراحل زمنية دون ضمانات تنفيذية أو آليات إلزامية، وهو ما يجعلها هشة أمام تعقيدات الواقع. فالتجارب السابقة أثبتت أن الاتفاقات القائمة على مواعيد سياسية دون توافق وطني تنتهي عادة بانهيارات جديدة.

 

زيارة البرهان إلى القاهرة هذا الشهر عكست تحولًا محسوبًا في موقفه الدبلوماسي، إذ قدّم إشارات انفتاح على الرباعية، لكنه عاد بعد أيام إلى خطاب متشدد خلال تجمع في مدينة عطبرة، مؤكدًا أنه لن يقبل بأي تسوية تمس “كرامة السودان ووحدته”. بذلك وجّه رسالة مزدوجة: طمأن أنصاره الإسلاميين في الداخل، واحتفظ في الوقت نفسه بمظهر القائد المنفتح على المجتمع الدولي.

 

ورغم إعلان الرباعية نيتها تشكيل لجنة عمليات مشتركة لمراقبة الهدنة وتنسيق المساعدات، لا تزال اللجنة في طور التأسيس ولم تبدأ تنفيذًا فعليًا. ويشير مراقبون إلى أن استمرار المعارك بالتوازي مع المفاوضات يعكس التناقض بين المسارين السياسي والعسكري.

 

لكي تنجح المبادرة، تحتاج الرباعية إلى توسيع إطارها ليشمل الاتحاد الإفريقي و"إيغاد" ومنظمات المجتمع المدني والجماعات النسائية المهمشة في المفاوضات الحالية. كما يتعين عليها الضغط على الأطراف الإقليمية التي تغذي اقتصاد الحرب بالمال والسلاح، وتحويل التعهدات العلنية إلى آليات تنفيذية حقيقية تشمل مراقبين محايدين وضمانات إنسانية ومساءلة دولية.

 

يرى محللون أن الإسلاميين داخل السودان لن يرحبوا بجهود الرباعية، لأن دعمهم للجيش لا ينبع من إيمان بالمؤسسة العسكرية، بل من رهان على استمرار الحرب كوسيلة لاستعادة نفوذهم المفقود.

 

تمثل خطة الرباعية أكبر تحرك دبلوماسي تجاه السودان منذ أكثر من عام، وتجمع القوى الإقليمية والدولية الأكثر تأثيرًا في الصراع. نجاحها أو فشلها سيحدد ما إذا كان السودان سيتجه نحو مزيد من التفكك والمجاعة، أو سيبدأ رحلة بطيئة نحو الاستقرار. ومع أن الطريق إلى السلام هشّ ومليء بالعقبات، تظل فرص الخلاص ممكنة إذا اختار السودانيون السير فيه معًا.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/sudan-crisis-can-quad-forge-sustainable-peace